بسم الله الرحمن
الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده
ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله
فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما
بعد:
قال
تعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين
إحسانا. (سورة الإسراء، آية
23).
كم هي كثيرة أمثال هذه الأيات الكريمات في القران الكريم،
حيث نجد حق الوالدين يأتي مباشرة بعد حق الله عز وجل, وكم هي كثيرة الأحاديث التي
تحث على البر بالوالدين، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى
الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال:
ثم الجهاد في سبيل الله. فنلاحظ أن بر الوالدين مقدم عن الجهاد كما هو
في أحاديث أخرى.
ومن جهة اخرى يعتبر عقوق الوالدين كبيرة من الكبائر والعياذ
بالله.
من كل هذا وذاك، ينبغي أن يتوقف كل
واحد منا وقفة تأمل، وبالتالي طرح سؤال مهم والذي هو : هل أقوم بأداء حق الوالدين
على أكمل وجه كما أوصى على ذلك عز
وجل؟
هذا سؤال والجواب يملكه كل واحد
منا !!!
غير أن الإجابة ومع الأسف ستكون ب "لا"
لدى الكثيرين، إذ مهما حاول المرء أن يرد الجميل لوالديه فلن يستطيع، لأن الأم
حملتك تسعة أشهر في بطنها، فتقتات من دمها و تسبب لها التعب طيلة فترة الحمل، وعند
الولادة فالمخاض عسير جدا، بل و في بعض الأحيان يؤدي إلى موتها و بقائك أنت
حيا !!!
أما بعد الولادة، فالوالدان يسهران من
أجل راحتك، و قد يجوعان من أجل إطعامك، فالظاهر يبدو أنها معاناة، ولكن ليست كذلك،
بل هي معاناة مشوبة بالحب و الحنان، حيث أنهما يقومان بخدمتك و بتربيتك وهما
مسرورين فرحين !! فسبحان الله.
الآن
وبعد كل هذا، وبعد أن أصبح الجنين وليدا، والوليد رضيعا، والرضيع طفلا، والطفل
مراهقا فراشدا، تجد الكثيرين مقصرين في حق الوالدين، بل و الأدهى من ذلك يعوقهما
ويعصيهما، بل والأخطر من هذا، هناك من
يقتلهما من أجل حفنة نقود مثلا والعياذ بالله.
إن حقوقهما كثيرة و متعددة علينا، فيجب أن نبر
بهما وأن نحسن إليهما، وأن نصاحبهما لأنهما أحق بالصحبة كما في القرآن و السنة، بيد
أن الكثير تراه ينفر من أبيه فلا يجلس حيث يجلس، و لا يقف حيث يقف، ولا يسلك طريقا
سلكها أبوه...، ينطبق هذا مع بض البنات مع أمهاتهن !! فتجد بعض
الأبناء في قطيعة تامة مع الآباء، إلى أن يموت أحدهما أو كلاهما، فيندم المرء حيث
لا ينفع الندم. فالوالدان يجب أن نحسن إليهما و إن أساءا إلينا- و إن كان هذا لا
يحدث الا نادرا- بل وأن نحسن إليهما ولو كانا كافرين. وان نطيعهما إلا في معصية
الله فلا طاعة.
مع الأسف، إذا تأملت حالة شباب اليوم تجد أغلبهم مسمرين
أمام شاشات الحواسيب (الكمبيوتر) والتلفزيون لساعات طوال ناسين أو متناسين ليس فقط
لحقوق الوالدين وإنما لحقوق الله عز وجل، من صلاة في المسجد في وقتها مثلا، بل
ويزيد على ذلك بالتفرج على قنوات و مواقع مشينة و سيئة، معتكفين أمام هذه الأجهزة
جاعلين منها آلهة يعبدونها فهي أهم إليهم من الأوكسجين...أما قيمة الوالدين لدى مثل
هؤلاء أقل بكثير من قيمة هذه الأجهزة، فتارة ترى أحدهم يعامل أمه كخادمة تحضر له
الماء و تعد له الطعام و تنظف له الملابس... و تارة أخرى تراه يبتز أباه بمبالغ
مالية كبيرة..و يعتبره كخادم يسدد فواتير المياه و الكهرباء و الانترنيت التي لا
ينفك عنها...كما أن هناك من يفضل الزوجة عليهما
ويهجرهما.
إن العديد يستهتر بمثل هذا القصور تجاه
الوالدين ناسيا قوله تعالى :وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ
وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا
).23-24 الإسراء(.
ختاما، أخي الكريم، أختي الكريمة، ليبادر كل واحد منا
بزيارة والديه، و الاطمئنان عليهما، وتقديم هدية لهما، والتفاني في خدمتهما، راجين
رضاهما واتقاء لسخطهما، وذلك قبل فوات الأوان، وإن توفي أحدهما أو كلاهما، فليكثر
عليهما بالدعاء بالرحمة و المغفرة.