الغضب
لا يخلو إنسان عن غضب، فأصل الغضب لا يعتبر عيباً، ولا يعتبر وجوده مرضاً، ولكن
: هناك غضب في الباطل لا يصح، وهناك تصرّفات أثناء الغضب لا يقرّها شرع أو عقل ومن هنا كان الكلام في الغضب يحتاج إلى تفصيل، فمن المعلوم أنّ الغضب في غير محلّه لا تستقيم معه حياة اجتماعية، ولا علاقات صحيحة
فمغضبة واحدة قد تفسد علاقة بين
(جار وجار) ,( زوج وزوجة ) ,(شريك وشريك) , (أخ وأخ).
وغضبة واحدة قد تفسد جماعة بأسرها فتصدّع صفّها، أو تعرقل أعمالها أو تشلّ نموّها
.
ونموذج الكمال في الرضا والغضب هو
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أخلاقه أنّه لا يغضب لنفسه وكان من وصفه أنّه لا تزيده شدّة الجهل عليه إلا حلماً وكان صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات الله فلا يقوم لغضبه شيء وهذا الذي يطالب به كل الخلق للقضاء على المنكر.
روى أبو هريرة أن رجلاً قال
: يا رسول الله مرني بعمل وأقلل، قال: "لا تغضب" ثم أعاد عليه فقال: "لا تغضب" [أخرجه البخاري] قال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الصرعة فيكم؟" قلنا: الذي لا تصرعه الرجال، قال: "ليس ذلك، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب" [أخرجه مسلم] وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". [متفق عليه].
حقيقة الغضب
قوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها
. والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به
الأسباب التى تؤدى للغضب
والأسباب التى تؤدى للغضب هي
: الزهو والعجب والمزاح والهزل والتعيير والمماراة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعاً ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع. وتميت العجب بمعرفتك بنفسك وتزيل الفخر بالتذكر للأصل الأول إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد، وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتاً فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل، والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها .
والغضب يؤدى الى الحقد.
معنى
الحقد و نتائجه
اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقداً، ومعنى الحقد أن يلزم قلبه البغضة له والنفار عنه وأن يدوم ذلك ويبقى
والحقد قد يؤدى الى ثمانية أمور:
الحسد
: وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه فتغتّم بنعمة إن أصابها وتسر بمصيبة إن نزلت به، وهذا من فعل المنافقين.
أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن، فتشمت بما أصابه من البلاء
.
أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك وأقبل عليك
.
وهو دونه أن تعرض عنه استصغاراً له
.
أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستر وغيره
.
أن تحاكيه استهزاء به وسخرية منه
.
إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه
.
أن تمنعه حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو ردّ مظلمة
. وكل ذلك حرام.
احذرى
:: التفريط فى الغضب فالغضب غول العقل، وإذا ضعف العقل هجم الشيطان لعب به كما يلعب الصبي بالكرة
احذرى
:: فالغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلهذا تجده تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وربما يذهب شعوره بسبب الغضب ويكون أشياء لا يحمد عقباها وربما يندم بعدها ندماً عظيماً على ما حصل منه
احذرى
::ان يتحول الغضب الى حقد عند العجز عن الانتقام والتشفى وقد يكون السبب فى الغصب امر بسيط فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق فاشتغل به بكل همته وقد يؤدى هذا الى الحقد على الخصوم الذى يدفعه للامور السابقه
فضيلة كظم الغيظ وفضيلة العفو والرفق
وكظم الغيظ
:: الكاف عن إمضائه مع القدرة
قال الله تعالى
:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران: 134].
والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر
, وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم.
وعن عبد الله بن عمر
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جرع جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى". [أخرجه ابن ماجه].
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء) رواه أبو داود والترمذي وحسنه .
قال الله تعالى
{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور 22
نزلت في أبي بكر رضى الله عنه اراد قطع ما كان ينفق على احد اقاربه لما خاض في حديث الإفك بعد أن كان ينفق عليه وبعد نزول الايه قال أبو بكر بلى أنا احب أن يغفر الله لي ورجع إليه ما كان ينفقه عليه
قال الله تعالى
{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِك َلَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43
ولمن صبر على الأذى، وقابل الإساءة بالعفو والصفح والسَّتر
, إن ذلك من عزائم الأمور والأفعال الحميدة التي أمر الله بها، ورتَّب لها ثوابًا جريلا وثناءً حميدًا.
{ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر