أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: هذه سلسله عن صور من حياة الصحابه رضي الله عنهم الجمعة ديسمبر 31, 2010 11:02 pm | |
| [center] * بطل قصتنا هذه رجلٌ من الصحابة يدعى عبد الله بن حذافة السهميَّ.
- لقد كان في وسع التاريخ أن يمُرَّ بهذا الرجل كما مرَّ بملايين العرب من قبله دون أن يأبه لهم أو يخطروا له على بال.
لكنَّ الإسلام العظيم أتاح لعبد الله بن حذافة السهمي أن يلقى سيِّدَي الدنيا في زمانه: كِسرى ملك الفرس ، وقيصر عظيم الروم، وأن تكون له مع كل منهما قصة ماتازال تعيها ذاكرة الدهر ويرويها لسان التاريخ.
* * *
- أما قصته مع كسرى ملك الفرس فكانت في السنة السادسة للهجرة حين عزم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أن يبعث طائفةً من أصحابه بكتُبٍ إلى ملوك الأعاجِم يدعوهم فيها إلى الإسلام.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدر خطورة هذه المهمَّة ...
فهؤلاء الرُسُل سيذهبون إلى بلادٍ نائيةٍ لا عهد لهم بها من قبلُ ...
وهم يجهلون لغات تلك البلاد ولا يعرفون شيئا عن أمزجة ملوكها ...
ثُمّ إنّهُم سيدعُون هؤلاءِ الملوك إلى تركِ أديانِهم ، ومُفارَقةِ عِزِّهِم وسُلطانهم ، والدخول في دين قوم كانوا إلى الأمس القريب من بعض أتباعهم ...
إنها رحلةٌ خطِرَة ، الذاهِبُ فيهَا مفقود واللعائِد منها مولودٌ.
- لِذا جمَع الرسولُ عليه الصلاة والسلام أصْحابـهُ ، وقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، ثم قال: ( أمّا بعد ، فإني أريدُ أَنْ أَبْعَثَ بعْضَكُم إلى ملوكِ الأعاجِم ، فلا تختَلِفوا عليّ كما اخْتَلف بنو اسرائيلَ على عيسى بن مريَمَ ).
فقال أصحاب رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم: نحن يارسول الله نؤدي عنْك ماتُريد فابعَثنا حيثُ شِئتَ.
* * *
- انتدب رسول الله عليه الصلاة والسلام ستةٌ من الصحَابةِ ليحْمِلُوا كُتُبَهُ إلى مُلوكِ العَرب والعَجَمِ ، وكان أحد هؤلاء الستَّة عبد الله بن حُذافة السَّهميُّ ، فقد اختير لحَمْلِ رسالة النبِّي صلوات الله عليه إلى كِسرى ملِك الفُرس.
* * *
- جهّز عبد الله بن حُذافة راحِلتَه ، وودّعَ صاحِبَتَهُ وولدَهُ ، ومضى إلى غايتِه تَرْفَعَهُ النَّجـادُ ، وتحطُّه الوِهادُ ( النجاد: الأماكن العالية ، الوهاد: الأماكن المنخفضة ) ؛ وحيداً فريداً ليس معَهُ إلا الله ، حتى بلغ دِيارَ فارِس ، فاسْتأذَنَ بالدُخولِ إلى ملِكِها ، وأخطَرَ الحاشيةَ ( الحاشية: أعوان الملك ) بالرِسالة التي يحمِلُها له.
عند ذلِكَ أمرَ كِسْرى بإيوائه فُزُيِّن ، ودعا عظماء فارسَ لحضورِ مجلسِه فَحَضروا ، ثم أذن لعبد الله بن حُذافة بالدُخول عليه.
دخل عبد الله بن حُذافة على ملِكِ فارس مُشتَمِلاً شَمْلَتَهُ الرَّقيقَةَ ، مرتديا عبائته الصَّفِـيقَة ، عليهِ بسـاطَةُ الأعْرابِ.
لكنّه كان عالي الهمة مشدود القامة ، تتأجج بين جوانحه عِزّة الإسلام ، وتتوقّدُ في فؤادِه كِبرياءُ الإيمَان.
- فما إن رآه كسرى مقبلاً حتى أَومـا إلى أحَدِ رجاله بأن يأخُذ الكِتَاب من يَدِهِ ، فقال: لا ، إنّما أمَرني رسَُول الله أن أدْفَعَه لكَ يداً بيدٍ وأنا لا أخالِف أمراً لرسول الله.
- فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدْنو مني ، فدنا من كسرة حتّى ناولَهُ الكِتاب بيدِه.
ثُمّ دعا كسرَى كاتِباً عربياً مِن أهلِ الحيرة ِ ، وأمره أن يفُضَّ الكِتاب بين يديه ، وأن يَقْرأَ عليهِ فإذا فيهِ: ( بِسم الله الرّحمن الرَّحيم ، من محمدٍ رسول الله إلى كِسرى عظيم فارس ، سلامٌ على من اتبَعَ الهُدى .... ).
- فما أن سمِع كِسرى من الرِسالةِ هذا المِقدار حتّى اشتعلتْ نار الغضب في صدرهِ ، فاحمرّ وجهه وانتفَخت أوادجُه لأن الرسول عليه الصلاةُ والسلام بدأ بنفسِهِ ...فجذَب الرسالةَ من يدِ كاتِبِهِ وَجَعل يُمَزِّقُها دون أن يعلَم مافيها وهو يصيحُ: أيَكتُب لي بهذا وهَو عبدي ؟!! ثَمّ أمر بعبد الله بن حُذافة أن يُخرَجَ مِن مجلِسِه ، فأُخرِجَ.
* * *
- خرج عبد الله بن حُذافة من مجلس كسرى ، وهو لا يدري مايفعل الله له ...
أيُقتل أم يُتركُ حراً طليقاً ؟
لكنَّه مالبِث أن قال: والله ما أُبالي على أي حالٍ أكون بعدَ أن أديْتُ كتاب رسولِ الله ، ورَكِبَ راحِلَتَهُ وانطلَق.
ولما سكتَ عن كِسرى الغضَب ، أمَر بأن يدخُل عليه عبد الله ؛ فلَم يوجد ...
فالتَمَسُوهُ فلم يقِفوا له على أَثُرْ ...
فطلبوه في الطريقِ إلى جزيرة العربِ فوجوده قد سبقَ.
فلمَّا قَدِم عبد الله على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخبره بما كان من أمْرِ كِسرى وتمزيقِه الكِتاب ، فما زاد عليه الصَلاة والسلام على أن قالَ: ( مزَّق الله مُلْكَه ).
* * *
- أما كِسرى فقد كتَب إلى ((باذان)) نائبه على اليمن: أنِِ ابعث إلى هذا الرجُل الذي ظَهر بالحِجاز رجلين جَلْدَين من عندِك ، ومُرهُما أن يأتياني به ... فبعث ((باذان)) رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحمَّلَهُما رسالةً لهُ ، يأمُره فيها بأن ينصِرف معهما إلى لِقاءِ كِسرى دون إبطاءٍ...
وطلب إلى الرجُلين أن يقِفا على خبَرِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، وأن يستقصيا أمرَهُ ، وأن يأتيَاه بما يقِفان عليه مِن معلومات.
* * *
- خرج الرجلان يُغِذَّان السّير حتّى بلغا الطائف فوجدا رجالا تُجارا من قُريش ، فسألاهُم عن مُحمّد عليه الصلاة والسلام ، فقالوا: هو في يثْرِبَ ، ثم مضى التُجّار إلى مكّة فَرِحين مُستبشرين ، وجَعلوا يُهنِّئون قُريشاً ويقولون: قَرُّوا عيناً فإن كسرى تصدّى لمُحمد وكفاكُم شرَّهُ.
- أما الرجلان فَيمَّما وجهيهِما شَطْر المدينة حتّى إذا بلغاها لقِيا النبي عليه الصلاة والسلام ، ودفعا إليه رسالة ((باذان)) وقالا له:
إن ملك الملوك كسرى كتَبَ إلى ملِكِنا ((باذان)) أن يبعث إليك من يأتيه بك ... وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه ، فإن أجبتنا كلّمنا كسرى بما ينفعك ويكفُّ أذاهُ عنك ، وإن أبيتَ فهُو من قد علِمتَ سطوتَهُ وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.
- فتبسم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لهُما: ( ارجعا إلى رحالِكُما اليوم وأتِيا غداً ).
- فلما غَدَوا على النبي صلوات الله عليه في اليوم التالي ، قالا له: هل أعدَدْت نفسك للمُضِيِّ معنا للقَاءِ كِسرى؟
- فقال لهما النبي: ( لن تلقيا كسرى بعد اليوم ... فلقد قتله الله ؛ حيث سلّط الله عليه ابنه ((شِيروَيه)) في ليلة كذا ... من شهر كذا ...).
فحَدّقا في وجه النبي ، وبَدَت الدهشة على وجهيهما ، وقالا: أتدري ماتقول ؟! أنكتب بذلك (( لباذان )) ؟!
قال : ( نعم ، وقولا له: إن ديني سيبلغ مابلغ إليه مُلكُ كسرى ، وأنّك إن أسلمتَ أعطيتُك ماتحْتَ يَديْك ، وملَّكْتُك على قومك ).
* * *
- خرج الرجلان من عند الرسول صلوات الله عليه ، وقدِما على (( باذان )) وأخبراه الخبر ، فقال لئن كان ماقاله محمد فهو نبي ، وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأياً ...
- فلم يلبث أن قدم على (( باذان )) كتاب ((شيرويه)) وفيه يقول:
أما بعد فقد قتلت كسرى ، ولم أقتله إلا انتقاما لقومنا ، فقد استحل قتل أشرافهم وسبيَ نِسائِهِم وانتهاب أموالِهِم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطّاعة ممّن عندك.
فما إن قرأ (( باذان )) كتابُ ((شيرويه)) حتّى طرَحه جانبا وأعلن دخوله في الإسلام ، وأسلم من كان معه من الفُرس في بلاد اليمن.
* * *
- هذه قصة لقاء عبد الله بن حذافة لكسرى ملك الفرس.
فما قصة لقائه لقيصر عظيم الروم ؟
- لقد كان لقاؤه لقيصر في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، وكانت له معه قصةً من روائع القصص ..
- ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث عمر بن الخّطاب جيشاً لحربِ الروم فيه عبد الله بن حُذافة السهميُّ ...وكان قيصر عظيم الروم قد تناهت إليه أخبار جُندِ المسلمين ومايتحلّون به من صدقِ الإيمان ورسوخ العقيدة واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله.
- فأمر رِجاله إذا ظفروا بأسير من أسرى المسلمين أن يُبقوا عليه ، وأن يأتوه به حياً وشاء الله أن يقع عبد الله بن حُذافة السَّهميُّ أسيرا في أيدي الروم ؛ فحملوه إلى مليكهم وقالوا: إن هذا من أصحابِ محمد السابقين إلى دينِه قد وقع أسيراً في أيدينا ؛ فأتيناك به.
* * *
- نظر ملِكُ الروم طويلاً إلى عبد الله بن حُذافة ، ثمّ بادره قائلاً:
إني أعرض عليك أمراً.
قال: وماهو ؟
فقـال أعرض عليك أن تتنصَّر ... فإن فعَلتَ ، خلَّيتُ سبيلَك ، وأكرمتُ مثواك.
فقال الأسيرُ في أنفةٍ وحزمٍ: هَيهاتَ ... إن الموت لأحبُّ إليَّ ألف مرّةٍ مما تدعوني إليه.
فقال قيصر: إني لأراك رجُلاً شهماً ... فإن أجبتني فيما أعرضُه عليك أشركْتُك أمري وقاسمتك سُلطاني.
فتبسّم الأسير المُكبَّلُ بقيودِه وقال:
والله لو أعطيتني جميع ما تملُك ، وجميع ماملكتهُ العرب على أن أرجع على دين محمدٍ طرفة عينٍ مافعلت.
قال: إذن أقتلك.
قال: أنت وماتريد ، ثم أمر به فصُلِبَ ، وقال لقناصتِه - بالرُّومية -: ارموه قريباً من يديه وهو يعرُض عليه التنصُّر فأبى.
فقال: ارموه قريبا من رجليه ، وهو يعرض عليه مفارقة دينِه فأبى.
عند ذلك أمرهُم أن يكُفُّوا عنه وطلَب إليهم أن يُنزلوه عن خشبة الصلب ، ثم دعا بقدرٍ عظيمةٍ فصُبَّ فيها الزيتُ ورفِعَت على النّار حتى غلت ثم دعى بأسيرين من أسرى المُسلِمين ، فأمر بأحدِهِما أن يُلْقا فيها فأُلقي ، فإذا بلحمه يتفتَّتُ. وإذا عِظامَه تبدو عاريةً ...
ثم التفت إلى عبد الله بن حُذافة ودعاه إلى النصرانيّة ، فكان أشدَّ إباءً لها من قبل.
فلما يئس منه ؛ أمر به أن يُلقا في القِدر التي أُلقِيَ فيها صاحباه فلما ُّهِب به دمعت عيناه ، فقال رجالُ قيصر لمَلِكِهم: إنّه قد بكى ...
فظَّن أنَّه قد جَزِع وقال ردوه إليَّ.
فلمّا مثُلَ بين يديه عرض عليه النصرانيَّة فأباها.
فقال: ويحُك فما الذي أبكاك إذن ؟!
قال: أبكاني أني قُلتُ في نفسي: تُلقى الآن في هذه القِدر فتذْهَبُ نفسُكَ ، وقد كُنْتُ أشتهي أن يكون لي بعدد مافي جسدي من شعرٍ أَنفُسٌ فتُلقى كلُّها في هذا القِدر في سبيل الله.
فقال الطاغية: هل لك أن تُقَبِّلَ رأسي وأُخلِّي عنك ؟
فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المُسلمين أيضاً.
قال: وعن جميع أسرى المسلمين أيضا.
قال عبد الله: فقُلت في نفسي: عدوٌ من أعداء الله ، أُقبِّلُ رأسه فيُخلِّي عنِّي وعن أسارى المُسلِمين جميعاً ، لا ضيرَ في ذلك عليَّ.
ثُمّ دنا منه وقبَّل رأسَهُ ، فأمَرَ مَلِكُ الرُّوم أن يجمعوا له أسارى المُسلِمين ، وأن يدفعوهم إليه ، فدُفِعوا له.
* * *
- قَدِمَ عبد الله بن حُذافة على عٌمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، وأخْبَرَهُ خَبَرَهُ ؛ فسُرَّ به الفاروق أعظَم السُرور ، ولمّا نظَر إلى الأسرى قال: حقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ أن يُقبِّل رأس عبد الله بن حُذافَة .. وأنا أبدأ بذلك... ثم قام وقبّل رأسه ... | |
|
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: البراء بن مالك الأنصاري رضي الله عنه الجمعة ديسمبر 31, 2010 11:09 pm | |
|
* كان أشْعَث أغْبَرَ ( أي متلبد الشعر أغبر الجسم ) ضئيل الجسم معْروقَ العظم ( أي مهزول الجسد قليل اللحم ) تَقتَحِمه عينٌ رائية ثمّ تزور عنهُ ازوِرارا. ( تزور عنه: أي تميل عنه )..
ولكنّه مع ذلك، قتل مائةً من المشركين مبارزة وحده، عدا عن اللذين قتلهم في غمار المعارك مع المحاربين.
إنه الكمي الباسل المقدام الذي كتب الفاروقُ بشأنه إلى عُمّالِه في الآفاق. ألا يولوه على جيش من جيوش المسلمين، خوفاٌ من أن يُهلكهم بإقدامه.
- إنه البراءُ بن مالك الأنصاريُّ، أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو رُحت أستقصي لك أخبار بطولات البراء بن مالك لطال الكلام وضاق المقام، لذا رأيت أن أعرض لك قصةٌ واحدة من قصص بطولاته وهي تُنبيك عمَّا عداها.
- تبدأ هذه القصة منذ الساعات الأولى لوفاة النبي الكريم والتحاقه بالرفيق الأعلى، حيث طفِقَت قبائِلُ العربِ تخرُج من دين الله أفواجاً، كما دخلتْ في هذا الدين أفواجاً، حتى لم يبقى على الإسلام إلا أهلُ مكَّة والمدينة والطّائف وجماعاتٌ متفرِّقة هنا وهناك ممن ثبّت الله قلوبهم على الإيمان.
* * *
- صَمَدَ الصِّديق رضي الله عنه لهذه الفتنَةِ المُدمِّرة العمياء، صُمود الجبالِ الراسيات، وجهَّز من المُهاجرين والأنصار أحد عشر جيشاً، وعقد لقادة هذه الجيوش أحد عشر لواءً، ودفع بهم إلى جزيرة العرب ليُعيدوا المرتّدين إلى سبيل الهُدى والحق وليحملوا المنحرفين عن الجادَّة بحد السيف.
وكان أقوى المُرتدين بأساً، وأكثرهم عدداً، بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكّذاب.
فقد اجتمع لمسيلمة من قومه وحلفائهم أربعون ألفاً من أشداء المحاربين.
وكان أكثر هؤلاء قدا تبعوه عصبيّةً له، لا إيماناً به، فقد كان بعضُهم يقول: أشهدُ أن مُسيلمة كذابٌ ومحمداً صادقً ... لكنّ كذابَ ربيعة ( أي مسيلمة الكذّاب ) أحبُّ إلينا من صادِقٍ مُضَر( يقصدون محمد صلى الله عليه وسلّم ).
هزم مسيلمة أول جيش خرج إليه من جُيوشِ المُسلمين بقيادَةِ عِكْرِمَة بن أبي جهْلٍ وردّهُ على أعقابهِ.
فأرسل له الصّديقُ جيشاً ثانياً بقيادة خالد بن الوَليد، حشد فيه وجُوه الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكان في طليعةِ هؤلاء وهؤلاء البراءُ بن مالك الأنصاري ونَفَرٌ من كُماةِ المُسلمين.
* * *
- التقى الجيشان على أرض اليمامة في نجدٍ، فما هُو إلا قليل، حتّى رجحت كفة مسيلمة وأصحابه، وزُلزلت الأرض تحت أقدام جنود المسلمين، وطفِقوا يتراجعون عن مواقِفِهِم، حتّى اقتحم أصحاب مُسيلمَةَ فُسْطَاطَ ( الفسطاط: هي الخيمة الكبيرة ) خالد بن الوليد، واقتلعوه من أُصوله، وكادو يقتُلون زوجته وأولادَه لولا أن أجارَهُ واحدٌ منهم.
عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الدّاهم، وأَدركوا أنّهُم إن يُهزموا أمام مُسيلمة فلن تقوم للإسلام قائمةٌ بعد اليوم، ولن يُعْبَد الله وَحْدَهُ لا شريكَ له في جزيرة العَرب.
وهبَّ خالدٌ إلى جيشِهِ ، وأعَادَ تنظيمَهُ ، حيثُ ميَّز المُهاجرين عن الأنصار وميّز أبناءَ البوادي عن هؤلاء وهؤلاء.
وجمع أبناء كُلِّ أب تحت رايةِ واحدٍ منهم ، ليُعرَف بلاءُ كُلِّ فريقِ في المعركة ، وليُعلم من أين يُؤتى المسلمون.
* * *
- ودارتْ بينَ الفريقَين رَحَى مَعرَكَةٍ ضَروسٍ ( أي معركة شديدة مهلكه ) لم تعرِف حُروبُ المُسلِمين لها نظِيراً من قبلُ ، وثبتَ قومُ مُسيلمة في ساحات الوغى ثبات الجبال الراسيات ولم يأبهوا لكثرة ما أصابهُم من القتل. وأبدى المُسلمون من خَوارِق البُطولات مالو جُمِع لكان مَلْحَمةً من روائع الملاحم.
فهذا ثابتُ بن قيس حامل لِواء الأنصار يتحنّط ويتكفّن ويحفر لنفسه حُفرةً في الأرض ، فينزل فيها إلى نصفِ ساقيهِ ، ويبقى ثابتا في موقفه ، يجالد عن راية قومه حتّى خرّ صريعاً شهيداً.
وهذا زيد بن الخطّاب أخو عُمر بن الخطّاب رضي الله عنهُما ينادي في المُسلمين: أيُّها الناس عضُّوا على أضراسكم ، واضربوا في عدوّكُم وامضوا قُدُماً ....
أيُّها الناس، والله لا أتكلم بعد هذه الكلمة أبدا حتّى يُهزم مُسيلمة أو أَلقى الله فَأُدْلي إليهِ بحُجّتي ....
ثمَّ كرّ على القَومِ فما زال يُقاتِلُ حتّى قتل.
وهذا سالمً مولى أبي حُذيفة يحمل راية المُهاجرين فيخشى عليه قومُهُ أن يضْعُف أو يتزعزع ، فقالوا له: إنّا نخشَى أنْ نُؤتى من قبلِك ، فقال: إن أتِيتُم من قَبلي فبِئسَ حامِلُ القُرآنِ أكون ....
ثم كرّ على أعداء الله كرةً باسِلة ، حتّى أُصيب.
ولكن بُطولات هؤلاء جميعا تتضاءل أمام بطولة البراء بن مالك رضي الله عنه وعنهم أجعين.
ذلك أن خالدا حين رأى وطيس المعركة يحمى ويشتد ، التفت إلى البراء بن مالك وقال: إليهم يافتى الأنصار ...
فالتفت البراء إلى قومه وقال: يامَعشَر الأنصَار لا يُفَكِّرَنَّ أحَدٌ منك بالرجوعِ إلى المدينة، فلا مدينةَ لكُم بعد اليوم ... وإنّما هو الله وحده ... ثُم الجنّة ...
ثُمّ حمل على المُشركين وحَملوا معَه وانْبَرى يشُقٌّ الصُفوف ويُعْمِل السيف في رقابِ أعداء الله حتى زَلزلت أقدامُ مسيلمة وأصحابه ، فلجأوا إلى الحديقة التي عُرِفت في التاريخ بعد ذلك بإسم حديقة الموت؛ لكثرة من قُتل فيها في ذلك اليوم.
* * *
- كانت حديقة الموت هذه رحبة الأرجاء سامِقَة الجُدرانِ ، فأغلق مسيلمةُ والآلافُ المُؤلّفة من جُنده عليهم أبوابها , وتحصنوا بعالي جدرانها , وجعلوا يمطرون المسلمين بنبالهم من داخلها فتتساقط عليهم تساقط المطر.
عند ذلك تقدم مغوار المسلمين الباسل البراء بن مالك وقال:
ياقوم ضعوني على ترس , وارفعوا الترس على الرمح , ثم اقذفوني إلى الحديقة قريباً من بابها , فإما أن أستشهد , وإما أن أفتح لكم الباب.
* * *
وفي لمح البصر جلس البراء بن مالك على ترس , فقد كان ضئيل الجسم نحيله , ورفعته عشرات الرماح فألقته في حديقة الموت بين الآلاف المؤلفة من جند مسيلمة , فنزل عليهم نزول الصّاعقة ، وما زال يجالدلهم أمام باب الحديقة ، ويُعمل في رقابهم السيف حتى قتل عشرة منهم وفتح الباب، وبه بضعٌ وثمانون جراحةً من بين رميةٍ بسهْمٍ أو ضربةٍ بسيف ... فتدفق المسلمون على حديقة الموت، من حيطانها وأبوابِها وأعملوا السيوف في رقاب المُرتدين اللائذين بجُدرانها، حتّى قتلوا منهم قريباً من عشرين ألفاً ووصلوا إلى مُسيلمَة فَأَرْدُوْه صريُعا.
* * *
- حُمِل البراءُ بن مالِك إلى رَحْلِه ليُداوى فيه، وأقام عليه خالد بن الوليد شهراً يُعالِجه من جراحِه حتّى أذن الله له بالشفَاء، وكتبَ لِجُند المُسلِمينَ على يديهِ النصر.
* * *
- ظَلَّ البراءُ بن مالك الأنصاريّ يَتُوقُ إلى الشهادَة التي فاتته يوم حَديقة الموت ...
وطفق يخوضُ المعارك واحدةً تِلوَ أُخرى شوقاً إلى تحقيق أُمنيته الكُبرى وحنيناً إلى اللَّحاق بنبيه الكريم، حتّى كان يوم فتْح ( تُسْتَر ) ( تُستر: هو اسم مدينة في بلاد فارس ) فقد تحصّن الفُرس في إحدى القِلاع المُمرّدة ( المُمرّدة أي الملساء المُرتفعة ) فحاصَرَهُم المُسلمون وأحاطوا بهم إحاطة السوار بالمِعصَم ، فلمّا طال الحِصار واشتدّ البلاء على الفُرس ، جعلوا يُدَلُّون من فوقِ أسوارِ القَلْعًة سلاسِل من حديد ، عُلِّقت بِها كَلالِيبُ من فولاذ حُمِيَت بالنَّار حتّى غدت أشَدَّ توهُجاً من الجَمْر، فكانت تنشب في أجساد المُسلمين وتَعلَقُ بها ، فُيرفعونهُم إليهم إما موتى وإما على وشك المَوت.
فعَلِق كلابٌ مِنها بأنس بن مالِك أخي البراء بن مالك فما إن رآه البراء حتى وَثَبَ على جِدارِ الحِصْن ، وأمسَك بالسِلسِلة التي تَحْمِلُ أخَاه وَجَعَل يُعالِج الكَلاّب ليُخْرِجه من جَسَدِه فأخذت يدَهُ تحُترِق وتُدخِّن ، فلَم يأبَه حتّى أنقَذ أخاه، وهبَط إلى الأرض حتّى غدت عِظاما ليس عليها لحمٌ.
وفي هذه المعركة دعا البراءُ بن مالك الأنصاري الله أن يرزُقه الشّهادة؛ فأجاب الله دعائه، حيث خرَّ صريعاً شهيداً مغتَبِطاً بِلقَاءِ الله.
* * *
- نضّر الله وجه البراء بن مالِك في الجنة ، وأقَرَّ عينَهُ بصُحبَةِ نبيَّه محمد عليه الصلاة والسلام ، ورضي عنه وأرضاه.
عدل سابقا من قبل أملي الفردوس في الجمعة ديسمبر 31, 2010 11:22 pm عدل 1 مرات | |
|
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| |
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| |
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| |
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| |
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: خباب بن الأرت رضي الله عنه الجمعة ديسمبر 31, 2010 11:43 pm | |
| * مضت أمُّ أنمارٍ الخُزَاعِيَّةُ إلى سوقِ النخَّاسين ( النخاسون: بائعوا العبيد والمفرد نخاس ) في مكَّةَ.
فقد كانت تُريدُ أَن تَبتَاع لنفسِهَا غلاماً تنتفعُ بِخِدمتَه, وتَستَثمِرُ عملَ يده.
وطفِقَت تتفرَّسُ في وجوهِ ( تتأمل في وجوه العبيد ) العبيدِ المعروضين للبيعِ, فوقع اختيارُها على صَبيّ لم يَبلُغِ الحُلُمَ؛ رأت في صِحَّةِ جَسَدِهِ, ومَخايِلِ ( علامات الذكاء ) النَّجَابةِ الباديَةِ على وجهه, ما أغراها بِشرائِه, فدَفَعَت ثمنَه وانطلقَت به.
وفيما هما في بَعضِ الطريقِ التَفَتت أُمُّ أنمارٍ إلى الصَّبِّي وقالت: ما اسمُك يا غلام ؟
قال: خَبّاب.
فقالت: وما اسمُ أبيك ؟
قال: الأَرَتُّ.
فقالت: ومن أين أنت ؟
قال: من نجد.
فقالت: إذن أنت عربي!!
قال: من بني تميم.
قالت: وما الذي أوصَلَكَ إلى أيدِي النخاسين في مكة ؟!!!
قال: أغارَت على حَيِّنا قبيلةٌ من قبائِلِ العَرَبِ, فاستاقَتِ الأنعامَ وسَبَتِ النِّساءَ, وأخذتِ الذراريَ, وكنتُ فيمن أُخِذَ من الغِلمانِ, ثم ما زالَت تَتَداولُنِي ( انتقل من يد إلى أخرى ) الأيدي حَتّى جيءَ بي إلى مكةَ, وصِرتُ في يَدِك.
دفعت أم أنمارٍ غلامَها إلى قَينٍ ( الحداد وجمعه القيون ) من قُيونِ مكَّةَ لِيُعلِّمَه صناعةَ السُّيوف, فما أسرَع أن حَذقَ ( أتقن الصنعة ) الغُلامُ الصنعة وَتَمكَّنَ منها أحَسنَ تَمَكُّنٍ.
ولَمّا اشتدَّ ساعِدُ خَبّاب وصَلُبَ عودُه ( كنايتان عن قوته ) استأجرت له أمُّ أنمارٍ دكَّاناً واشتَرَت له عُدَّةً وجَعَلت تَستَثمِرُ مهارَتَه في صُنعِ السيوف.
* * *
- لم يمض غيرُ قليل على خبابٍ حتى شُهِر في مَكَّةَ وجَعَلَ الناسُ يُقبلون على شراءِ سُيوفِه لِما كان يَتَحلّى به من الأمَانَةِ والصدقِ وإتقانِ الصًّنعَةِ.
* * *
- وقد كان خبّابٌ على الرُّغمِ من فَتَائه يَتَحلّى بعقل الكَلمَلَةِ ( الكاملون ), وحِكمةِ الشيوخ...
وكان إذا ما فَزَعَ من عَمَلِه وخَلا إلى نَفسِه كَثيراً ما يُفَكِّرُ في هذا المُجتَمَعِ الجاهِليِّ الذي غَرِقَ في الفَسادِ من أَخمَصِ ( أسفل قدميه ) قدميه إلى قِمةِ رأسه.
ويهولُه ما رانَ ( غطى ) على حياةِ العربِ من جَهالةً جَهلاءَ, وضلالَةٍ عَميَاءَ, كَانَ هو نفسُه أحَدَ ضَحايَاها ....
وكان يقول: لا بُدَّ لهذا الليلِ من آخر ....
وكان يَتَمنّى أنْ تمتدَّ بِه الحياةُ لِيرَى بعينيه مَصْرَعَ الظلامِ ومَولِدَ النورِ.
* * *
- لم يَطُل انتظارُ خَبَّابٍ كثيراً فقد تَرامَى إليه خيطاً من نورٍ قد تألَّق من فمِ فتىً من فِتيانِ بني هاشم يدعَى محمدَ بنَ عبدِ اللهِ.
فَمَضى إليه, وسَمِعَ منه ، فَبَهرهُ لأْلاؤه, وغَمرَه سناه.
فَبَسَطَ يَدَه إليه وشَهِدَ أنْ لا الهَ إلّا الله وأن مُحَمَّداً عبدُه رسولُه.
فكان سادِسَ سِتَّةٍ أسلموا على ظهرِ الأرضِ حَتّى قيل: مَضى على خَبّابٍ وقتُ وهو سُدُسُ الإسلامِ ....
* * *
- لم يكتُم خبّابٌ إسلامَه عن أحدٍ, فما لَبِثَ أن بلغَ خَبَرهُ أمَّ أَنمارٍ, فاستَشاطَت غَضَباً وغيظاً, وَصَبحت أخاها سباعَ بنَ عبدِ العُزَّى, ولَحِقَ بهما جماعَةٌ من فِتيانِ خُزاعَةَ, ومضوا جميعاً إلى خَبّابٍ فوجده مُنهَمكِاً في عَملِهِ ...
فأَقبَل عليهِ سِباعٌ وقال: لقد بَلَغَنَا عنك نَبآٌ لم نُصَدّقه.
فقال خبابٌ: وما هو؟
فقال سِباعٌ: يُشاعُ أَنَّك صَبأتَ ( كفرت وخرجت عن دينك ) وتَبِعت غُلامَ بني هاشم.
فقال خبابُ ( في هدوء ): ما صَبَأتُ, وإنّما آمنتُ باللهِ وحدَه لا شريك له ...
وَنَبذتُ أصنامكم ( طرحت أصنامكم ) وشَهِدتُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه ....
فما إنْ لامَسَت كلماتُ خَبابٍ مَسامِعَ "سِبَاعٍ " ومن مَعَه حتّى انهالوا عليه, وجَعَلوا يضربونَه بأيديهم, ويَركُلونَه بأقدامهم ويَقذِفونَه بما يَصِلون إليه من المطارِق وقطع الحديد ..
حتى هَوى إلى الأرضِ فاقِدَ الوعي والدِّماءُ تنزِفُ منه ...
سَرى في مَكَّةَ خبرُ ما جَرى بينَ خَبّابٍ وسَيدتِه سريانَ النار في الهَشِيمِ ( النبات اليابس )!!!!
وذَهَلَ الناسُ من جَراءة خَبابٍ إذ لم يكونوا قد سَمِعُوا ( من قبلُ ) أنَّ أحَداً اتَّبَعَ محمداً ووقف بينَ الناس يُعلِن إسلامَه بمثل هذه الصّراحَةِ والتحِدّي.
واهتَزَّ شيوخُ قريشٍ لأمر خَبابٍ ... فما كان يخطر على بالِهم أن قِيناً كقين أمِّ أنمارٍ لا عَشيرَةَ له تَحميه ولا عَصبِيَّة تَمنعُه وتُؤويه تَصِل به الجُرأة إلى أَن يَخرُج على سُلطانِها ويَجهرَ بِسَبِّ آلِهتِها ويُسِفه دينَ آبائها وأجدادها.... وأَيقنت أن هذا يِومٌ له ما بَعدَه ...
ولم تَكن قريشٌ على خطأ فيما تَوقَّعتهُ, فلقد أَغرَت جُرأةُ خبّاٍب كثيراً من أصحابهِ بأن يُعلِنوا إسلامَهم, فطَفِقوا يَصدَعون ( يجرون ويعلنون ) بكلمةِ الحقِّ واحداً بعد آخَر ...
* * *
- اِجتمع سادَةُ قريش عند الكعبةِ, وعلى رأسِهم أبو سفيانَ بنُ حربٍ, والوليدُ بنُ المغيرَةَ, وأبو جهل بنُ هشامٍ وتذاكروا في شأنِ محمدٍ, فرأَوا أن أمرَه أخَذَ يزداد ويَتفاقَمُ ( يتعاظم ويزداد ) يوماً بعد يومٍ, وساعَةً إثرَ ساعةٍ ...
فعزموا على أن يَحسِموا الداء قبل اسِتفحالِهِ ( يستأصلونه قبل اشتداده ) , وقرروا أن تثِبَ كُلُّ قبيلةٍ على من فيها من أتباعِه, وأن تنكِّل ( تذيقهم أشد العذاب ) بهم حتّى يَرتدّوا عن دينهم أو يموتوا ... وقد وَقعَ على سباعِ بنِ عبدِ العُزَّى وقومِه عِبءُ تَعذيبِ خبَّاب..
فكانوا إذا اشتدَّت الهاجِرةُ ( شدة القيظ في منتصف النهار ) وغَدت أَشِعَّةُ الشمسِ تُلهِبُ الأرض إلهاباً أخرجوه إلى بَطحاءِ مكَّة, ونَزعوا عنه ثيابَه, وألبَسُوه دروعَ الحديدِ, ومنعوا عنه الماءَ حتى إذا بَلغَ منه الجُهدُ كُلَّ مَبلغٍ أقبلوا عليه وقالوا: ما تقول في محمدٍ ؟
فيقول: عبدُ الله ورسولهُ جاءَنا بدين الهُدى والحقِّ ليُخرجنَا من الظُّلماتِ إلى النور..
فيوسعونه ضَرباً ولكماً, ثم يقولون له: وما تقولُ في اللَّات والعُزَّى؟!
فيقول: صنمان أصَمَّان أبكَمان لا يَضُران ولا ينفعان ...
فيأتون بالحِجارة المحمِيَّةِ ويُلصقونها بِظهره ويُبقونها عليه حتى يسيلَ دُهنُ كتفيه...
* * *
- ولم تكن أمُّ أنْمارٍ أقلَّ قسوةً على خبَّابٍ من أخيها سباعٍ فقد رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمرُّ بدُكانِه, ويُكلمُه فجُنَّ جنونُها لما رأتْ ( طار صوابها وثارت ثائرتها ).
وأخَذت تجيء إلى خَبًّاب يوماً بعد يومٍ فتأخذ حديدةً محمِيةً من كِيرِه ( منفاخ موقد الحداد ويراد به الموقد نفسه ) وتضعُها على رَأسه حتى يدخِّن رأسه ويُغمى عليه ...
وهو يدعو عليها وعلى أخيها سباعٍ.
* * *
- ولما أَذِنَ الرسولُ صلوات الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى المدينة تَهيَّأ خبابٌ للخروجِ.
غير أنًّه لم يُبارح ( يغادر ) مكًّةَ إلا بعد أن استجابَ الله دعاءَه على أمِّ أنمارٍ...
فقد أُصيبت بِصُداعٍ لم يُسمع بمثلِ آلامِهِ قطُّ, فكانت تعوِي من شدَّة الوجَعِ كما تّعوي الكلابُ....
وقام أبناؤها يستطبون ( يبحثون لها عن الأطباء ) لها في كلِّ مكان , فقيل لهم: إنه لا شفاءَ لها من أوجاعها إلا إذا دَأبَتْ على كَيِّ رأسِها بالنار ....
فجعلت تَكوي رأسها بالحديدِ المَحميِّ ؛ فتَلقى من أوجاعِ الكيِّ ما يُنسيها آلامَ الصُّداع ...
* * *
- ذاقَ خبَّاب في كَنفِ الأنصارِ في المدينةِ طَعمَ الراحةِ التي حُرِم منها دهراً طويلاً, وقرَّت عينُه بِقُرب نبيِّه صلواتُ الله وسلامُه عليه دونَ أن يكدِّرَه مكدِّرٌ أو يُعكِّرَ صفوَه مُعكرٌ ...
وشهِدَ مع النبي الكريم بدراً ، وقاتل تحت رايتِه ... وخرجَ معه إلى أحد فأقَرَّ الله عينه برؤية سِباعِ بن عبدِ العُزَّى أخي أمِّ أنمارٍ وهو يلقَى مصرَعَه على يَدِ أسَدِ الله حَمزة بن عبد المُطَلب ...
* * *
- وامتدَّت به الحياةُ حتى أدرَك خلفاءَ رسولِ الله الراشدين الأربعة. وعاش في رِعايتهم جليلَ القدرِ نَبِيه الذِّكرِ ...
* * *
- ودَخلَ ذات يوم على عمرَ بن الخطابِ في خِلافته, فأعلَى عمرُ مَجلِسَه, وبالَغَ في تَقريبه وقال له: ما أَحدٌ أحقَّ منك بهذا المجلس غير بلالٍ .
ثم سألَه عن أشدِّ ما لقِي من أذى المُشركين, فاستحيا أنْ يجيبَه ...
فلمَّا ألحَّ عليه أزاحَ رداءهُ عن ظهرِه, فَجفِلَ ( نفر مما رأى ) عمرُ مما رأى, وقال: كَيف صار ذلك ؟!
فقالَ خبَّاب: أوقَدَ المشركون لي حطباً حتى أصبحَ جمراً ...
ثم نزعوا عنِّي ثيابي, وجعلوا يجُرونني عليه, حتى سقَطَ لحمي عن عظامِ ظَهري, ولم يُطفئ النَّار إلا الماءُ الذي نَزَّ من ( تحلب وتقاطر ) جَسدي .....
* * *
- اِغَتنى خبَّابٌ في الشّطر الأخيرِ من حياته بعد فقرٍ, وملك ما لم يمكن يَحلُم به من الذّهب والفضة...
غير أنهُ تصَرفَ في مالِه على وجهٍ لا يَخطُرُ ببال أحدٍ ...
فقد وَضعَ دراهِمه ودنانيره في موضعٍ من بيته يعرفُه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين.
ولم يَشدُدْ عليه رِباطاً ( لم يخبئه ) , ولم يُحكِم عليه قفلاً, فكانوا يأتون داره ويأخذون منه ما يشاؤون دونَ سؤالٍ أو استئذانٍ ...
ومع ذلك فقد كان يخشى أن يُحاسب على ذلك المالِ, وأن يعذب بسببه.
* * *
- حَدّثْ جمَاعةٌ من أصحابِه قالوا: دخلنا على خبابٍ في مرَضِ موته فقال: إن في هذا المكان ثمانين ألفَ درهمٍ, والله ما شددتُ عليها رباطاً قطُّ, ولا مَنَعتُ منها سائلاً قطُّ ثم بَكى ..
فقالوا: ما يُبكيكَ ؟!!
فقال: أبكي لأنَّ أصحابي مضوا ولم ينالوا من أجورِهم في هذه الدنيا شيئاً, وأنني بقيتُ فنِلت من هذا المالِ ما أخافُ أن يكونَ ثواباً لتلك الأعمال...
* * *
- ولما لحق خَبابٌ بجوار ربِّه وقف أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب رَضيَ الله عنه على قبره وقال: رَحِمَ الله خباباً, فلقد أسلَمَ راغباً, وهاجَرَ طائِعاَ, وعاش مجاهداً...
ولَن يُضيعَ اللهُ أجرَ من أحسَنَ عملاً.الرجاء عدم الرد على الموضوع لحين استكمال هذه السلسله من حياة الصحابه رضي الله عنهم | |
|
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه السبت يناير 22, 2011 11:19 pm | |
| * كان الفتى سعيد بن عامر الجُمحيُ واحد من الآلاف المؤلّفة ، الذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ، ليشهدوا مصرع خُبيب بن عديِّ أحد أصحاب محمد بعد أن ظفروا به غدراً.- وقد مكّنه شبابه الموفور وفتوته المتدَفقة من أن يزاحِم الناس بالمناكب حتى حاذى شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب ، وصفوان بن أمية ، وغيرهما ممن يتصدرون الموكب.- وقد أتاح له ذلك أن يرى أسير قريش مكبلا بقيوده ، وأكفُّ النساء والصبيان والشُبانِ تدفعه إلى ساحة الموت دفعا ، لينتقموا من محمد في شخصه ، وليثأروا لقتلاهم في بدرِ بقتله.- ولما صارت هذه الجموع الحاشدة بأسيرها إلى المكان المُعدِّ لقتله وقف الفتى سعيد بن عامر الجُمحيُّ بقامته الممدودة يطل على خُبيب ، وهو يقدَّم إلى إلى خشبة الصَّلبِ ، وسمع صوته الثابت الهاديء من خلال صياحِ النِّسـوة والصبيان وهو يقول:إن شئتُم أن تترُكوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ....ثم نظر إليه وهو يسـتقبل الكـعبة ، ويصلي ركعتين ، يا لحُسنِهِمــا ويا لتـمامـهـما .....ثم رآه يقبل على زعمـاء القوم ويقول: والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جَزعا من الموتِ لاستكثرت من الصلاة ....- ثم شهد قومه بعين رأسه وهم يمثلون بخُبيبً حياً ، فيقطعون من جسده قِطعة تلو القِطعة وهم يقولون له: أتُحِبُ أن يكون محمدُ مكانك وأنت ناجٍ ؟فيقول - والدماء تنزِف منه -: والله ما أحُبُّ أن أكون آمنا وادعاً في أهلي وولدي ، وأن محمداً يوخز بشوكةٍ ...فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء ويتعالى صياحهم ...أن اقتلوه ..اقتلوه...- ثم أبصر سعيد بن عامرٍ خُبيباً يرفعُ بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقولُ: اللّهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تُغادِر منهم أحداً.ثم لفظ أنفاسه الأخيرة ، وبه مالم يستطع احصائه من ضرباتِ السيوف وطعنات الرماح. * * *- عادت قُريش إلى مكّة ، ونَسيت في زحمة الأحداث الجسام خُبيباً ومصرعه.لكن الفتى اليافع سعيد بن عامر الجُمحيُ لم يغب خُبيبٌ عن خاطره لحظةً.كان يراه في حلمه إذا نام ، ويراه بخياله وهو مستيقظ ، ويَمثُلُ أمامه وهو يصلّي ركعتيه الهادئتين المطئِنتين أمام خشبة الصلب ، ويسمع رنين صوته في أذنيه وهو يدعو على قريش ، فيخشى أن تصعقه صاعقة أو تخِرّ عليه صخرةٌ من السماء.ثم إن خُبيباً علَّم سعيداً مالم يكن يعلم من قبل .... علّمه أن الحياة الحقَّة عقيدةٌ وجِهادٌ في سبيلِ العقيدةِ حتى الموت.وعلّمه أيضا أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيز ، ويصنع المعجزات.وعلّمه أمراً آخر هو أن الرجل الذي يحبِّه أصحابه كل هذا الحبَّ إنما هو نبيٌّ مُؤيّدٌ من السمـاء.عند ذلك شرح الله صدر سعيدٍ بن عامرٍ إلى الإسلامِ ، فقام في ملأٍ من الناس ، وأعلن براءته من آثام قريشٍ وأوزارها ، وخلعَه لأصنامها وأوثانها ودخوله في دين الله. * * *- هاجر سعيد بن عامر إلى المدينة ، ولزم رسول الله وصلوات الله عليه ، وشَهِد معه خَيبر ومابعدها من الغزواتِ.ولما انتقل النبيُّ الكريمُ إلى جوارِ ربه وهو راضٍ عنهُ ، ظلّ من بعدِه سيفاً مسلولاً في أيدي خليفتـيِه أبي بكرٍ وعُمرَ ، عاش مثلاً فريداً فذا للمؤمن الذي اشترى الآخرة بالدنيا ، وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النـفس وشهوات الجسد. * * *- وكان خليـفتا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعرفان لسعيدِ بن عامر صدقه وتقواه ، ويستمِعـان إلى نُصحِهِ ، ويصغيـان إلى قوله.- دخل على عمر بن الخطّاب في أول خلافتِه فقال: ياعُمر ، أوصيك أن تخـشى الله في النـاس ، ولا تخـش النـاس في الله ، وألا يخالِف قولُك فِعلَك ، فإن خيرَ القول ماصدَّقهُ الفِعلُ ...يا عمر: أقِم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحبَّ لهم ماتُحِبّ لنفسك وأهلِ بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخُضِ الغمَرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائمٍ.- فقال عمر: ومن يستطيعُ ذلك يا سعيد ؟!- فقال: يستطيعهُ رجلٌ مثلُك ممن ولاهم الله أمر أمةِ محمد ، وليسَ بينه وبين الله أحدٌ. * * *- عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيداَ إلى مؤازرتِه وقال: ياسعيدٌ إنا مولوك على أهل ((حِمصَ)).- فقال: ياعُمرُ نَشََدتُك الله ألا تفتنني ، فغضِب عمر وقال: ويحكُم وضعتُم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتُم عني !! والله لا أدعكَ.- ثمّ ولاهُ على ((حمص)) وقال: ألا نفرض لك رزقا؟- قال: وما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضى إلى ((حمص)).- وماهو إلا قليلٌ حتى وفد على أميرُ المؤمنين بعض ممن يثق بهم من أهل ((حمص)) فقال لهم:اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسُدّ حاجتهم .فَرفعو كتاباّ فإذا فيه فلانٌ وفلانٌ و سعيد بن عامر.- فقال: ومن سعيد بن عامر ؟!فقالوا: أميرنا.- قال: أميركم فقير ؟!قالوا: نعم ، ووالله إنه لتُمرُّ عليه الأيّام الطِوال ولا يوقد في بيته نار.- فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ، ثم عمَد إلى ألف دينار ثم جعلها في صرةٍ وقال:اقرؤوا عليه السلام مني ،وقولوا له: بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على ضاء حاجاتك.* * *- جاء الوفد لسعيد بالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير ، فجعل يُبعِدَها عنه وهو يقول:إنا لله وإنا إليه راجعون - كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطبٌ - فهبّت زوجته مذوعرة وقالت: ماشأنك ياسعيد ؟! أمات أمير المؤمنين ؟! قال: بل أعظم من ذلك.قالت: أَأُصيبَ المسلمون في وقعةٍ ؟!قال: بل أعظم من ذلك.قالت: وما أعظم من ذلك ؟!قال: دخلت عليّ الدنيا لتُفسد آخرتي ، وحلت الفتنةُ في بيتي.قالت: تخلّص منها - وهي لا تدري من أمر الدنيا شيئا -.قال: أَوتُعينِينَنِي على ذلك ؟قالت: نعم ..فأخذ الدنانير فجعلها في صررِ ثم وزّعها على فقراء المسلمين.* * *- لم يمض على ذلك وقت طويل حتى أتَى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقّدُ أحوالها فلّمـا نزل بحِمص - وكانت تُدعى ((الكُويفَة )) وهو تصغيرٌ للكوفة وتشبيه حِمص بها لِكثرةِ شَكوى أهلِها من عُمّالِهِم وولاتِهم كما كان يفعل أهل الكُوفةِ - فلّما نزلَ بِها لقيَه أهلُها للسلام عليه فقال: كيف وجدتم أميركم ؟فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعـاله ، كلُّ واحدٍ منهـا أعظمُ من الآخَرِ.قال عُمر: فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يُخَيِّب ظنِّي فيه ؛ فقد كُنتُ عظيم َ الثِّـقةِ به.فلمـا أصبحـوا عندي هـم وأميرهـم ، قلت: مـا تشكونَ من أميرِكُم ؟قالوا: لا يخرجُ إلينا حتى يتعالى النهارُ.فقلت: ماذا تقول ُ في ذلك ياسعيد , فسكت قليلاً ، ثم قال: والله إني أكره أن أقولَ ذلك ، أما وإنّه لا بُدّ منه ، فإنه ليس لأهلي خادمٌ ، فأقومُ في كلَّ صباح فأعجُن لهم عجينهُم ، ثم أثريث قليلاً حتى يختَمِر ، ثم أخبِزه لهم ، ثمّ أتوضأ وأخرج للناس.قال عمر: وماتشكون منه أيضاً ؟قالوا: إنه لا يُجيبُ أحداً بليلٍ.قلت: وماتقولُ في ذلكَ ياسعيدُ ؟قال: إني والله كنتُ أكره ُ أن أُعلِن هذا أيضاً. فأنا قد جعلت النهارَ لهم والليل لله عزَّ وجلَّ.قلتُ: وماتشكون منهُ أيضاً ؟قالوا: إنه لا يخرجُ إليـنـا يوماً في الشهرِ.قلتُ: وماهذا ياسعيد ؟قال: ليس لي خادمٌ يا أمير المؤمنين ، وليس عندي ثيابٌ غير التي عليّ ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجِفَّ ، ثمّ أخرج إليهم في آخر النهار.ثم قُلت: وما تشكون منه أيضاً ؟قالوا: تصيبه من حينٍ إلى آخر غشيةً فيغيبُ عمّن في مجلسِهِ.فقلتُ: وماهذا ياسعيد ؟!فقال: شَهِدتُ مصرع خُبيب بن عُديِّ وأنا مشرِكٌ ورأيتُ قُريشاً تقطعُ جسدَه وهي تقول: أتحِبُّ أن يكون محمدٌ مكانك ؟فيقول: والله ما أُحِبُّ أن أكون َ آمنـاً في أهلي وولدي ، وأن محمداً تشوكُه شوكةٌ .... وإني والله ماذكرتُ ذلك اليوم وكيف أني تركتُ نصرتَه إلا ظننت أن الله لا يغفِر لي ... وأصابتني تلك الغشية.- عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يُخيِّب ظنِّي به. - ثمّ بعث له بألف دينارٍ ليستعين بها على حاجته. فلما رأتها زوجته قالت له: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك ، اشترِ لنا مؤنةً واستأجر لنا خادماً. فقال لها: وهل لكِ فيما هو خيرٌ من ذلكَ ؟قالت: وماذاك ؟!قال: ندفعها إلى من يأتينا بها ونحن أحوج مانكون إليها.قالت: وما ذاك ؟!قال: نُقرِضُها الله قرضاً حسنـاً.قالت: نعم ، وجزيتَ خيراً.- فما غادرَ مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانيرَ في صُررٍ ، وقال لواحد من أهلِه: انطلق بها إلى أرملةِ فلان ، وإلى أيتـام فلانٍ ، وإلى مساكـين آل فلانٍ ، وإلى مُعوِِزي آل فلانٍ.* * *- رضي الله عن سعيدٍ بن عامرٍ الجُمحيَّ فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسِهم ولو كانت بهم خَصاصةٌ. | |
|
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: رد: هذه سلسله عن صور من حياة الصحابه رضي الله عنهم السبت يناير 22, 2011 11:27 pm | |
|
* عاد عُمير بن وهبٍ بن وهب الجُمَحِيُّ من بدْرٍ ناجياً بنفسِهِ ، لكنّه خلّف وراءه ابنه وهباً أسيراً في أيدي المُسلِمين.وقد كان عُميرٌ يخشى أن يأخُذ المسلمون الفتَى بجَريرةِ أبيه ( بذنب أبيه ) ، وأن يسوموه سوء العذاب جزاء ماكان يُنْزلُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلّم من الأذى ، ولِقاء ما كان يُلحِقُ بأصحابِه من النَّكالِ.- وفي ذاتِ ضُحى توجَّه عُميرٌ إلى المسجد للطواف بالكعبةِ والتبرُّكِ بأصنامها ، فوجَدَ صَفوانَ بن أُميّة جالساً إلى جانب الحَجرِ ، فأقبلَ عليه وقال: عِم صباحاً ياسيِّد قُريشٍ.فقال صفوانُ: عِم صباحاً يا أبا وهبٍ ،اِجلِس نتَحَدَّث ساعَةً فإنَّما يُقَطَّعُ الوقتُ بالحديث.فجلَسَ عُمَيْرٌ بإزاءِ صفوانَ بن أُميَّة ، وطفِقَ الرجُلان يتَذكَّؤانِ بَدْراً ، ومُصابَها العَظِيم َ ، ويُعددان الأسرى الذين وقعوا في أيدي محمدٍ وأصحابِهِ ، ويتفجَّعان على عُظماءِ قُريشٍ ممن قتلتهُم سيُوف المُسلمين وغَيَّبَهُم القَليبُ في أعماقِه( القليب: بئر دفن فيه قتلى المشركين يوم بدر ).فتنهَّد صفْوانُ بن أُميَّة وقال: ليس –والله- في العَيْشِ خيْرٌ بعْدَهُم.فقال عُمير: صدقت والله. ثمّ سكتَ قليلاً ، وقال: وربُّ الكعبةِ لولا ديونٌ عليَّ ليسَ عندي ما أقْضيها به ، وعيالٌ أخشى عليهِم الضَّياعَ من بعدي ، لمضيتُ إلى محمد وقتلتُه ، وحسمتُ أمرَهُ ، وكَفَفْتُ شَرَّه ، ثُمّ أتبع يقولُ بصوتٍ خافتٍ:وإن في وجودِ ابني وهبٍ لديهِم مايجعَلُ ذهابي إلى يثرِبَ أمرا لايُثيرُ الشُبُهاتِ.* * * - اغتَنمَ صفوانُ بن أُميَّة كلام عُمير بن وهَب ولم يشأْ أن يُفوِّت هذه الفُرصة ، فالتفت إليه وقال: ياعُمير ، اجعَل دَيْنَكَ كُلَّهُ عليَّ ، فأنا أقضيهِ عنك مهما بلَغَ ...وأما عيالُك فسأضُمُّهُم إلى عيالي ما امتدَّت بي وبهم الحيَاة ...وإن في مالي من الكثرة مايسَعُهم جميعا ويكفَلُ لهُم العيشَ الرغيد.فقال عُمير: إذن ، اكتم حديثنا هذا ولاتُطلِع عليه أحداً.فقال صفوان: لك ذلك.* * * - قام عُميرٌ ونيرانُ الجِقدِ تتأجَّجُ في فؤادِهِ على مُحمد صلى الله عليه وسلم ، وطفِقَ يُعد العُدَّة لإنفاذِ ماعزَم عليه ، فما كان يخشى ارتياب أحدٍ في سفرهِ ؛ ذلك لأن ذوي الأسرى من القُرشيين كانوا يترددون على يثرب سعياً وراء افتداءِ أسراهُم.* * * - أَمَرَ عُميرٌ بن وهب بسيفِه فشُحِذ وسُقيَ سُماً ...ودعا براحِلتِه فأُعِدَّت وقُدِّمت لهُ ؛ فامتطى متنها ...ويمَّم وجهَهُ شَطْر المدينة ، ومِلءُ بُرْدَيْهِ الضَغينَةُ والشّر.بلغ عُمير المدينة ومضى نحو المسجد يُريدُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فلّما غدا قريباً من بابه أناخ راحِلَتَه ونَزَل عنها.* * * - كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه جالسا مع بعض الصّحابة قريبا من باب المسجِد ، يتذاكرون بدرا وماخلّفتْهُ وراءها من أسرى قُريش وقتلاهُم ، ويستعيدون صور بطولات المُسلمين من مهاجرين وأنصار ، ويذكرون ما أكرمهم الله به من النَّصر ، وما أراهُم في عدوِّهم من النِّكاية والخذلان.فحانت من ‘ُمَرَ التِفاتةٌ فرأى عُميرَ بن وهَب ينزِلُ عن راحِلَتِه ، ويمضي نحو المسجِد متَوشِّحاً سيفَهُ ، فهبَّ مذعوراً وقال: هذا الكلبُ عدو الله عُمير بن وهَبٍ ...والله ماجَاءَ إلاّ لِشرٍّ ، لقد ألَّبَ المُشركين علينا في مكَّة ، وكان عيناً لهُم علينا قُبيلَ بدرٍ .. قال لِجُلسائِهِ: امضوا إلى رسولِ الله ، وكونوا حوله ، واحذروا أن يغدُر به هذا الخَبيثُ الماكِرُ.ثم بادر عُمر إلى النبِّي عليه الصلاة والسلام وقال: يارسول الله ، هذا عدوُ الله عُمير بن وهب وأَخَذ بِتلابِيبِهِ ، وطوَّق عنُقَهُ بِحمَّالةِ سيفِهِ ، ومضى بِهِ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلّم.فلما رآه رسول الله عليه الصّلاة والسلام على هذه الحال ، قال لعمر: ( أطْلِقْهُ يا عُمر )، فأطلقَهُ ، ثمّ قال له: ( استأْخِر عنْهُ )، فتأخّر عنهُ ، ثم توجّه إلى عُمير بن وهَب وقال: ( ادْنُ ياعُمير) ، فدنا وقال: أَنعِم صباحاً ( وهي تحيَّةُ العرب في الجاهلية ).فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ( لقد أكرمَنا الله بتحيَةٍ خيرٍ من تحيّتِك يا عُمير ... لقد أكرمنا الله بالسلام وهو تحيّةُ أهلِ الجنَّة ).فقال عُمير: والله ما أنت ببعيدٍ عن تَحِيَّتِنا ، وإنّك بها لحديثُ عهْدٍ.فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ( وما الذي جاء بك يا عُمير ؟! ).قال: جئتُ أرجو فكاكَ هذا الأسير الذي في أيديكم ، فأحسِنوا إليَّ فيه.قال: ( فما بالُ السيفِ الذي في عُنقِك ؟! ).قال: قبحها الله من سيوفٍ ...وهَل أغْنَت عنَّا شيئاً يوم بدرٍ ؟!!قال: ( اصدقني ، ما الذي جئْتَ له ياعُميرُ ؟ ).قال: ما جِئتُ إلاّ لذاك.قال: ( بل قعدت أنت وصفوان بن أُميّة عِند الحجر ، فتذاكرتُما أصحاب القليب من ضرعى قُريش ثم قلت: لولا دينٌ عليَّ وعيالٌ عندي لخَرجتُ حتى أقتُل محمداً... فتحمُل لك صفوانُ بن أُميَّة دينَك وعِيالَك على أن تَقتُلني .... والله حائلٌ بينك وبين ذلك ).فذُهِلَ عُميرٌ لحظَةً ، ثُمّ مالبِث َ أن قال: أشهَدُ أنَّك لرسولُ الله.ثُمّ أردفَ يقول: لقد كُنَّا يارسولَ الله نُكَذِّبُكَ بما كُنت تأتينا به من خبرِ السماءِ ، وما ينزل عليك من الوحي ، لكنّ خبري معَ صفوانُ بن أُميَّة لم يَعلَم بِهِ أَحدٌ إلا أنا وهُو ... ووالله لقَد أيقَنت أنَه ما أتاك به إلا الله فالحمدُ لله الذي ساقني إليك سوقاً ، لِيَهديني إلى الإسلام ... ثُم شهِد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسولُ الله ، وأسلمَ.فقال عليه الصلاة والسلام: ( فقهوا أخاكم في دينِه ، وعلِّموه القرآن وأطلِقوا أسيره ).* * * - فرح المُسلمون بإسلام عُمير بن وَهْب أشّد الفرح ، حتى إن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: لَخِنزيرٌ كانَ أحَبَّ إليَّ من عُمير بن وَهب حين قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وهُو اليوم أحَبُّ إليَّ من بعضِ أبنائي.* * * - وفيما كان عُميرٌ يُزَكِّي نفسه بتعاليم الإسلام ، ويُترِعُ فؤادَه بنور القرآن ، ويحيا أروع أيام حياته وأغناها ، ممَّا أنساه مكَّة ومن في مكَّة.كان صفوان بن أُميَّة يَمنِّي نفسَه الأماني ، ويَمُرُّ بأندِية قريش فيقول: أبشِروا بنبأٍ عظيمٍ يأتيكُم قريباً فيُنسيكُم وقعَة بدْرٍ.* * * - ثم إنَّهُ لمّا طال الإنتظار على صفوانُ بن أُميّة ، أَخذ القَلقُ يَتسرَّبُ إلى نفسه شيئا فشيئا ، حتى غدا يتقلَّب على أحرِّ من الجمر ، وطفِق يُسائِلُ الرُكبان عن عُمير بن وهب ، فلا يجِدُ عند أحدٍ جواباً يشفيه ...إلى أن جاءه راكبٌ فقال: إنَّ عُميراً قد أسلم ...فنزل عليه الخبرُ نزول الصاعِقَة ...إذ كان يظُنُّ أن عُميرَ بن وهْبٍ لايُسلٍم ولو أسْلَم جميعُ من على ظَهْرِ الأرض.* * * - أما عُمير بن وهْب فإنّه ما كاد يَتَفَقَّهُ في دينِه ويحفظ ماتيسّر له من كلام ربِّه ، حتى جاء إلى النبيِّ عليه الصلاة والسلام وقال: يارسول الله ، لقَد غبَر عليَّ زمانٌ وأنا دائبٌ على اطفاء نور الله ، شديدُ الأذى لمن كان على دينِ الإسلام ، وأنا أُحِّبُّ أن تأْذن لي بأن أقدم إلى مكَّة لِأدعُوا قُريشاً إلى الله ورسولِه ، فإن قبِلوا مني فنِعمَ مافَعلوا ، وإن أعرضوا عنَّي آذيتُهم في دينِهِم كما كنتُ أؤذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.فأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام ، فوافى مكّة ، وأتى بيت صفوان بن أُميَّة وقال: يا صفوانُ ، إنَّك لَسيِّدٌ من ساداتِ مكَّة ، وعاقلٌ من عُقلاء قريشٍ ، أفترى أن هذا الذي أنتم عليه من عبادة الأحجار والذّبح لها يصِحُّ في العقلِ أن يكون ديناً ؟!أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدا رسول الله.* * * - ثم طفِق عُميرٌ يدعو إلى الله في مكَّة ، حتى أسلم على يديه خلقٌ كثيرٌ. أجزل الله مثوبة عمير بن وهب ، ونوَّر له في قبره. | |
|
أملي الفردوس مراقب عام
تاريخ التسجيل : 31/12/2010 عدد المساهمات : 706 نقاط : 1395 الجنس :
| موضوع: من أقوال - الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الإثنين يناير 24, 2011 1:37 pm | |
| | |
|
siraji Admin
دولتي : تاريخ التسجيل : 20/12/2010 عدد المساهمات : 1041 نقاط : 1864 الجنس : العمر : 52 تاريخ الميلاد : 22/02/1972 الموقع : http://siraji2011.forummaroc.net/ mms :
| موضوع: رد: هذه سلسله عن صور من حياة الصحابه رضي الله عنهم الجمعة يناير 28, 2011 7:55 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله جزاك الله كل خير على جهدك بارك الله فيك وجعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك | |
|
إيروكا عضو فاعل
تاريخ التسجيل : 19/03/2011 عدد المساهمات : 355 نقاط : 378 الجنس : العمر : 26 تاريخ الميلاد : 11/12/1997 الموقع : سوريا
| موضوع: رد: هذه سلسله عن صور من حياة الصحابه رضي الله عنهم السبت مارس 19, 2011 9:48 am | |
| جزاك الله الجنة تقبلي مروري | |
|