فمن لوازم الإيمان السكينة:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
لكن لئلا يتوهم الإنسان أن أي مصلٍّ توضأ، وصلى صار في سكينة ؟ لا، أنا مضطر إلى قاعدة فلسفية:
إن الصفة قيد، اكتب كلمة إنسان، هذه تغطي ستة آلاف مليون، ضف كلمة واحدة، إنسان مسلم، مليار وثلاثمئة مليون، من ستة آلاف مليون إلى مليار وثلاثمئة مليون إنسان مسلم عربي، عشرون مليون إنسان مسلم عربي مثقف، مليونا إنسان مسلم عربي مثقف طبيب، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب، عشرة آلاف، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب قلب جراح، خمسمئة، كل ما تضيف صفة تضيق الدائرة الآن اسمع الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ﴾
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) ﴾
( سورة المعارج )
ليس أي مصلٍّ يستحق السكينة، الذي توافرت فيه كل هذه الشروط، يستحق السكينة.
إخواننا الكرام، لا أعتقد في عصر أصاب المسلمين بمحن كهذا العصر، طبيعة هذا العصر فوق كل إنسان، مليون سيف مسلط، أحيانا تركب مركبتك، إنسان بالمقابل تأخذه سنة من النوم، فيدخل في المركبة الأولى، قد يقطع النخاع الشوكي، فيصاب بالشلل الدائم، حوادث سير، قضية في القلب، قضية في نمو الخلايا، قضية فشل كلوي، قضية تشمع الكبد، هناك أمراض وبيلة تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وهناك مصائب في الأهل والأولاد والبيت والتجارة، والمال، مستودعات احترقت كلها، فهذا القلق الشديد من جهة الأهل، من جهة الأولاد، من جهة المال، من جهة الصحة، ما الذي يغطيه عند المؤمن ؟ السكينة، ولنقرأ الآيات، السكينة وردت في خمس آيات في كتاب الله، قال تعالى:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة التوبة الآية: 26 )
السكينة ؛ الطمأنينة، السكينة ؛ السكون:
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
المؤمن متميز بالسكينة، الله عز وجل يلقي في قلبه السكينة، فهو في هدوء، في سكون، في رؤية صحيحة، في اعتماد على الله، الآية الثانية:
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الإسلام كله منوط بالغار، فإذا اقتحموا الغار، وقتلوا النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه أخذوا مئتي ناقة، كل ناقة بمليون ليرة تقريباً، في هذا الوضع الحرج الإسلام كله مبني على أن يروا من بالغار، أو لا يروه، قال له: لو نظر أحدهم إلى موطأ قدمه لرآنا، وفي قول آخر لقد رأونا، قال له:
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ))
[ أخرجه البخاري عن أبي بكر ]
ألم تقرأ قول الله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) ﴾
( سورة الأعراف )
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾
( سورة التوبة الآية: 40 )
الآية الثالثة:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الرابعة:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) ﴾
( سورة الفتح )
الآية الخامسة:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الفتح الآية: 26 )
لكن هناك تعليق هذه السكينة، متى نزلت ؟ يوم الهجرة، ويوم حنين، ويوم الحديبية، وكان عليه الصلاة والسلام يوم الخندق، الخندق حرب إبادة، الخندق الإسلام كله بكل المؤمنين قضية ساعات، حتى إن أحد الذين كانوا مع رسول الله يقول: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ كان عليه الصلاة والسلام ينقل تراب الخندق حتى وصل التراب إلى جلدة بطنه، وهو يقول:
اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا وَ لا تَصَدََّقْنا وَلا صَلَّيْنا
فأنْزِلَننْ سَكِينَةً عَلَيْنــا وَثَبِّتِ الأقْدَام إنْ لاقَيْنـا
إنَّ الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنـا إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنــا
[ رواه سلم بن إبراهيم عن البراء ]
أيها الإخوة، نحن في أمسّ الحاجة إلى السكينة، نحن في أمسّ الحاجة إلى الدعم من الداخل، نحن في أمسّ الحاجة إلى وقار، إلى هدوء إلى عمل هادئ، وهذا يحتاج إلى اتصال بالله عز وجل، لا تنسوا هذه الآية:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾
المصلي الحقيقي ينزل على قلبه من السكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضى عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
الموسوعة العلمية السلامية
لفضيلة الشيخ محمد النابلسي
جزاه الله عنا كل خير