عندما ينسى المرء شيئا ويريد تذكره : هل
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم - كما هو شائع - أم أن هناك دعاء معينا لتذكر ما نسيه المرء ؟
الحمد لله
من نسي شيئا وأراد أن يستعين على تذكره واستحضاره ، فعليه أن يستعين بدعاء الله
تعالى وسؤاله ، ولم يثبت في الكتاب أو في السنة ـ فيما نعلم ـ ذكر معين يمكن للمسلم
أن يستعين به عند النسيان ، وقد ذكر بعض أهل العلم أمرين اثنين نافعين عند النسيان
:
الأمر الأول : ذكر الله تعالى ، بالتهليل أو التسبيح أو التكبير أو أي نوع من أنواع
الذكر ،
قالوا : لأن النسيان من الشيطان ، وذكر الله طارد له.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : ( وَلَا تَقُولَنَّ
لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ
رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَدًا ) الكهف/23-24
.
قالوا : ومعنى قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي : إذا نسيت
شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه .
ذكر هذا القول : الماوردي في "النكت
والعيون" (2/471) والقرطبي في تفسيره (10/386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/128)
وغيرهم .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/61-62) :
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير :
الأول : أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها ، والمعنى : أنك إن قلت سأفعل غداً
كذا ونسيت أن تقول : إن شاء الله ، ثم تذكرت فقل : إن شاء الله .
وهذا القول هو الظاهر ؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ
إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله )
الكهف/23
.
وهو قول الجمهور : وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم .
القول الثاني : أن الآية لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك النسيان
لشيء فاذكر الله ؛ لأن النسيان من الشيطان ، كما قال تعالى عن فتى موسى : ( وَمَآ
أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ )
الكهف/63
، وكقوله : ( استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله )
المجادلة/19
، وقال تعالى : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ
القوم الظالمين ) الأنعام/68
وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، كما يدل لذلك قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن
ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )
الزخرف/36
وقوله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ
الوسواس الخناس ) الناس/1-4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله . الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر
الله ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان "
انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله على وجه
غير مخصوص ، كأن يقول لا إله إلا الله ، أستغفر الله ، لا إله إلا الله والله أكبر
، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني
لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ
رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَداً ) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة ؟
فأجاب:
"إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول : اللهم ذكرني ما
نسيت ، وعلمني ما جهلت ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء .
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه ، والآية يحتمل معناها :
اذكر ربك إذا نسيت ؛ لأن الله قال له : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ
ذَلِكَ غَداً . إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )
يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا "
انتهى
.
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين .
الأمر الثاني : الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد في ذلك حديث ، ولكنه ضعيف جدا ، فلا يجوز العمل به ، رواه أبو موسى المديني
وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني والثلاثين من
مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا نسي الشيء وأراد ذكره .
قال :
" ذكره أبو موسى المديني ، وروى فيه من طريق محمد بن عتّاب المروزي ، ثنا سعدان بن
عبدة أبو سعيد المروزي ، ثنا عبد الله بن عبد الله العتكي ، أنبأنا أنس بن مالك رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ
تذكروه إن شاء الله) انتهى
.
وهذا سند ضعيف ، فيه علتان :
1- عبيد الله بن عبد الله العتكي : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/27) : "
قال البخاري : عنده مناكير . وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال
البيهقي : لا يحتج به " انتهى باختصار
. وانظر بعض مناكيره في "الكامل" لابن عدي
(4/332) .
2- سعدان بن عبدة القداحي : قال ابن عدي في "الكامل" (4/332) : " غير معروف "
انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول
البديع" (ص/326)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع" (الشريط
رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شئيا صلى على النبي صلى الله
عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله :
" لا أعرف له أصلا يعتمد ، المستحب الذكر المطلق ؛ لأن الله تعالى قال : ( واذكر
ربك اذا نسيت ) ، فمن نسي يذكر الله ، يقول : لا إله إلا الله ، سبحان الله "
انتهى بتصرف
.
نقلا عن هذا الرابط :
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=14356&scholar_id=16&series_id=617والحاصل :
أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا ، ولم يثبت في ذلك ذكر
معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب