فإذا ما ارتكب محظورا من محظورات الإحرام وجب أن يعود إلى ضميره فيكفر عن هذا المحظور
الذي وقع فيه بإراقة دم أو صدقة أو صيام
ولكن السلطة التي تضبط ذلك
وتسجله هي سلطة الضمير ومحكمته
فليس هناك سلطة خارجية وراء ذلك...
وفي هذا تربية لهذا الضمير وارتقاء به وإعلاء من منزلته وقيمته
فاستحق هذا الحاج المغفرة بابتعاده
عن الرفث والفسوق والجدال
وفي الطواف وسيلة لتربية الضمير وإذا نظرت إلى سائر المناسك وجدتها أيضًا
وسيلة لتربية هذه الرقابة الذاتية للضمير
فالحاج يطوف حول الكعبة، ويرف حولها نسوة
وقد يكون في الطواف شيء من الزحام مما قد يقع فيه البصر
على مالا يجوز النظر إليه من النساء الأجنبيات
وقد لا يكون هناك رقابة خارجية صارمة تضبط كل مخالفة
من كل واحد من هذه الألوف من الطائفين
حول البيت...
ومع هذا كله لم يحرم الإسلام طواف الرجال والنساء في وقت واحد أو لم يجعل لهن مطافًا خاصًا...
ولعل في هذا أكبر الأثر
في تربية الضمير فالمسلم يُترك هنا لضميره ولوجدانه المؤمن الذي يحجزه
عن فعل أي محظور عندما تكون الوسيلة بهذه المثابة
ولكنه يعلم أن الله -تعالىيراقبه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
وأن مخالفة ومعصية في الحرم ليست كغيرها من المخالفات
فهي عظيمة جسيمة، بل هي مضاعفة
حتى إن إرادة المعصية والهمَّ بها فيه تعتبر معصية
يستحق صاحبها العذاب الأليم
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَاد بِظُلْم نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم}
[الحج: 25]
وفي قضاء المناسك تربية...
فإذا ما قضى الحاج مناسكه وذكر الله -تعالى
في أيام معلومات وفي أيام معدودات
ثم جدد العهد مع الله -تعالى- على الاستقامة
على منهاجه وشرعه بتوبة صادقة من نفس مؤمنة نادمة
ضارعة إلى الله
وإذا ما وضعته هذه المناسك على طريق المسئولية
فإنه يربأ بنفسه بعد ذلك أن تنحرف وتخالف منهج الله
وإن حياءه من الله -تعالى وشعوره بأهمية هذه العبادة العظيمة يربي في نفسه
هذا الضمير الحي وهذه التربية الوجدانية.
وبعد: تلكم بعض اللمحات عن أثر الحج
في تربية الضمير والوجدان
تضاف إلى كثير من الآثار والمنافع
التي يشهدها المسلمون في الحج
فهنيئًا لهؤلاء المسلمين الطائعين
هنيئًا لهم حجهم وعبادتهم التي ترفعهم إلى هذا المستوى
المشرق الوضيء الكريم
والتي تهذب نفوسهم وتزكيها وتربى وجدانهم وتطهره، وتذهب بذنوبهم وآثامهم
ونسأل الله -تعالى أن يجعلنا منهم، والحمد لله رب العالمين.
هنا