الله عز وجل متفرد بالوحدانية، وله صفات
الجلال والعظمة المطلقة،فهو سبحانه خلق الخلق فأبدعه، وله وحده القدرة
والقوة على تصريف أقدار عباده من ملائكة و إنس وجن وأنعام وجمادات، وهو
وحده المستحق للعبادة لا شريك له .
كل الكون يسبح بحمده، ويشهد له بالوحدانية، إلا كفار الإنس والجن، شذوا عن منظومة التوحيد العظيمة .
لا شك أننا فرحنا جميعاً بثورة الشعوب المسلمة على الظلم والعدوان،
فأخذوا بأسباب التغيير السلمية، وغير الله وحده ما بهم من ذل، ولكننا حتى
الآن لم نر من يثور من أجل من أسقط الظلم، ومن أجل من نصر العباد .
الله وحده أسقط الأنظمة البائدة الظالمة، ومن شكر نعمه على عباده أن
يثور العباد على كل شرك وكفر وأن يجددوا للأمة عقيدتها، وأن يصالحوا جبار
السماوات والأرض وأن يشكروا نعمة النصر بعبادة الدعوة إلى من نصرهم وقواهم
وحده دون شريك له ولا ند .
إن مظاهر الشرك ومعاداة الشرع تضرب في أطناب الأمة الإسلامية سواء في
النسك أو الحكم أو الإتباع، فالله خلق الخلق ورزقهم ونصرهم ثم كثير منهم
يصرف العبادة لغيره فيصلي لضريح ويشكر لميت ويستغيث بولي من الأولياء .
الله عز وجل خلق الخلق فأبدعه ورزق عباده وأمدهم بالعافية، وأنزل لهم
كتابه الخاتم ليكون حكماً بينهم، وجعله سبحانه سبباً لسعادتهم الدنيوية
والأخروية فبتحكيمه ينتشر العدل والأمن والأمان والرخاء الاقتصادي والعفة
والطهارة والأخلاق : "مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ "[الأنعام :
38].
وبالرغم من ذلك ارتضى الخلق بتحكيم غير الله، ولما نصرهم وأمدهم بالعافيه يريدونها دولة لا تحكم بشريعة الرحمن .
أرسل الله عز وجل رسوله بالهدى ودين الحق، وجعل في اتباعه الخير كل
الخير، فجرب الناس كل مناهج الأرض وحادوا عن منهج محمد صلى الله عليه وسلم،
فتارة شيوعية وتارة علمانية وتارة ديمقراطية، فلماذا لا نجعلها محمدية .
من هنا كان لزاماً أن أبين أن من أسقط النظم الظالمة هو الله وحده،
ولابد من ثورة حقيقية قائمة على الدعوة إلى توحيد الله بالحكمة والموعظة
الحسنة، هذه الثورة مطالب بها كل مسلم، ليس الدعاة والعلماء فقط فهي
الأمانة العظيمة التي ارتضاها الإنسان وعليه أن يتحمل تعلمها وأدائها إلى
العالم .
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً
جَهُولاً} [الأحزاب : 72]
أي : إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلَّفين من امتثال
الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها,
وخفن أن لا يقمن بأدائها, وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه, إنه كان
شديد الظلم والجهل لنفسه.
وأعظم الأوامر هو الأمر بالتوحيد تعلماً و أداء ووأعظم النواهي التي
يجب أن يجتنبها الإنسان هي نواقض التوحيد التي يجب على المكلف تعلمها حتى
يحذرها ثم يحذر منها غيره .
فهذه دعوة إلى الشعوب المسلمة التي رفعت رأسها في ثورة على الظلم حتى
تستقر لها أمور دنياها أن تبدأ في ثورتها الحقيقية لتحقيق التوحيد الذي هو
سبيلها إلى الجنة حتى تستقر لها أمور أخراها ودنياها على السواء.
أولاً : حكم تعلم التوحيد :
قال ابن عبد البر رحمه الله: (أجمع العلماء أن من العلم ما هو فرض متعين
على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية، إذا قام به قائم
سقط فرضه على أهل ذلك الموضع(
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وطلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم
ما أمره به وما نهاه عنه، فإن هذا فرض على الأعيان).
وإن أعظم ما أمر
الله به هو التوحيد، قال تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " محمد: 19وقال سبحانه:
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " الإسراء: 23 وفي
حديث معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ،
أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله
أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاًوفي حديث معاذ
الآخر قال صلى الله عليه " فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمداً رسول الله .
قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله:
(اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه
السالك إلى الله عز وجل... ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف
شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ، ولا القصد إلى النظر ، ولا الشك ،
فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، فهو أول
واجب وآخر واجب).