صيانة الحياء
محمد مسعد ياقوت
فطر اللهُ
المرأة على الحياء، فهو فيها كما الدم في عروقها، ولقد تعلم أن الحياءَ
يُتمثلُ به في البكر في خدرها، فهذا أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِي - رضي الله عنه
- يقول: " كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ
الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا"[1].
وفي القرآن الكريم مدح الله فتاةً قدِمت إلى نبي الله موسى؛ إذ تمشي إليه على استحياء.
فقال - تعالى -:
(فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي
يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ
عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ) القصص25.
ووصف رسولُ الله - صلى
الله عليه وسلم - الحياء؛ فجعله جزءًا من الإيمان، فعَنْ سَالِمِ ابْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ في
الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعْهُ
فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ))[2].
وعن أبي بكرة عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة،
والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))[3].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -
رضى الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ((الإِيمَانُ
بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))[4].
وعَنْ إِيَاسِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: الْحَيَاءُ
مِنَ الدِّينِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ. فَقَالَ
إِيَاسٌ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّي قُرَّةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ". ثُمَّ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ الْحَيَاءَ
وَالْعَفَافَ وَالْعَيَّ عَيَّ اللِّسَانِ لاَ عَيَّ الْقَلْبِ وَالْعَمَلَ
مِنَ الإِيمَانِ وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ في الآخِرَةِ وَيَنْقُصْنَ مِنَ
الدُّنْيَا وَمَا يَزِدْنَ في الآخِرَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَزِدْنَ في
الدُّنْيَا)). قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَمْلَيْتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ كَتَبَهَا بِخَطِّهِ
ثُمَّ صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَإِنَّهُ لَفي كُمِّهِ مَا
وَضَعَهَا إِعْجَابًا بِهَا[5].
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "إن الْحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ"[6].
فحياء المرأة، علامة من علائم إيمانها وتقواها، وإشارة إلى حسن سريرتها ونقاوة ضميرها.
هذا، وكلما اتصفت المرأة
بهذا الخُلق زاد فيها منسوب الخير والسكينة والوقار. فعن عِمْرَان بْنَِ
حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الْحَيَاءُ لاَ
يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ)) فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ مَكْتُوبٌ في
الْحِكْمَةِ: ((إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ
سَكِينَةً))[7].
فإذا ما ذهب حياء المرأة،
فلا تسل عنها، وكبِّر عليها أربعًا، فلطالما ذهب الحياءُ بكل خير في
المرأة، بما في ذلك عفتها، لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ
مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ
تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)[8].
وهذا هو لسان حال الكثيرات من فتيات اليوم، حتى صدق فيهن قول الشاعر:
فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** وألقت عن مفاتنها الحجابا
فلن تخشى حياء من رقيب *** ولم تخش من الله الحسابا
إذا سارت بدا ساق وردف *** ولو جلست ترى العجب العجابا
بربك هل سألت العقل يوماً *** أهذا طبع من رام الصوابا
أهذا طبع طالبة لعلم *** إلى الإسلام تنتسب إنتساباً
فما كان التقدم صبغ وجه *** وما كان السفور إليه باباً
شباب اليوم يا أختي ذئاب *** وطبع الحمل أن يخشى الذئاب
جهود الغرب في نزع حياء المرأة:
ولقد عمد أعداء هذه
الدين، إلى استهداف المرأة المسلمة، بمسخ هويتها، وانتزاعها من حجابها،
وتزيين الزنا لها، والزج به نحو الاختلاط، والتقليد الأعمى للمرأة
الأوربية...
وكان سماسرة الفكر الغربي حراصًا على نقل التقاليد الغربية الماجنة إلى المشرق العربي مستهدفين المرأة بالأساس.
إننا إذا ما تتبعنا تاريخ
"تغريب المرأة المسلمة" في العصر الحديث؛ فإننا نجد أن تلك الدعوات
المشبوهة ارتبطت ارتباطًا وثيقا بالمحتل الأجنبي تحت شعار "تحرير المرأة".
وتمتد جذور هذه الدعوة
إلى عهد محمد علي والي مصر، خاصة في فترة انتشار الحركات الماسونية من
ناحية، وما خلفه الاحتلال الفرنسي على المنطقة من ناحية ثانية، إضافة إلى
أثر البعثات الفنية التي أوفدها محمد علي وغيره إلى فرنسا من ناحية ثالثة.
ولقد عاد إلينا هؤلاء
المبتعثون الذين عاشوا في أوربا بضع سنين، وهم يحملون عقلاً امتلأ قناعةً
بثقافة الرجل الغربي، وقلبًا شُغف حبًا بالمرأة الفرنسية العارية، ونفسًا
ملتاثةً بلوثة الميوعة والانحراف.
فتخرَّج فيهم: "رفاعة
الطهطاوي" عاشق فرنسا، و "قاسم أمين" صاحب دعوة تحرير المرأة، و "سعد
زغلول" القطب الماسوني و "وهدى شعراوي" صديقة الاحتلال البريطاني، و"سيزا
نبراوي" ربيبة فرنسا و"درية شفيق" و "أحمد لطفي السيد" أول من دعا إلى
الاختلاط بين الجنسين في الجامعة المصرية -، و"أمينة سعيد" رئيسة تحرير
مجلة حواء وهي مجلة تحارب الفضيلة -، و"نوال السعداوي" الكاتبة الماركسية
سابقًا، ثم اللبرالية حاليًا... وغيرهم، ممن رباهم الغرب الاستعماري
الصليبي في حجره ومحاضنه، ومِن دونهم أقوامٌ يسيرون وراء كل ناعق، يتبعون
سَنن اليهود والنصارى شبرًا بشبر، فصدق فيهم قول رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ،
وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ
لَسَلَكْتُمُوهُ)) قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى،
قَالَ: ((فَمَنْ؟))[9] أي: فمن غيرهم.
_____________
[1] أخرجه البخاري (3562).
[2] أخرجه البخاري (24).
[3] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (559) وصححه الألباني.
[4] أخرجه البخاري (9).
[5] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10 / 194) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3 / 2).
[6] ابن أبي شيبة (11 / 28) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (558).
[7] أخرجه البخاري (6117).
[8] أخرجه البخاري (6120).
[9] أخرجه البخاري (3456)